في ظل النهضة العمرانية التي تشهدها البلاد، حرصت دولة قطر على ترسيخ هوية عمرانية بالعديد من المباني الحكومية التابعة للوزارات والهيئات والمؤسسات من خلال اعتماد تصاميم طبعت بالطراز التقليدي للعمارة القطرية.
وقد أبرز هذا النمط المعماري، الذي يسود واجهات المباني المختلفة والمدن المستدامة، تمسك القطريين بتراثهم وطراز منازلهم القديمة التي يرونها في حاضرهم مثل ماضيهم.
وفي هذا السياق، قال المهندس المعماري إبراهيم محمد الجيدة، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية “قنا”: “منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي انعكست العمارة التراثية على التوجه المعماري في الدولة، وظهر هذا في المباني الحكومية، ليتبع القطاع الخاص فيما بعد التوجه ذاته، فتطورت الحركة المعمارية المتأثرة بالطراز المعماري القطري القديم”.
وأوضح الجيدة أن الطراز القطري القديم ينعكس على مباني الوزارات والمؤسسات في الدولة، ومنها مبنى وزارة الداخلية الحديث، الذي يجمع بين الفخامة وعبق العمارة القطرية القديمة، حيث صمم بطرق متعددة، حرصت على وضع لمسات تاريخية وتراثية واضحة، حيث القلاع والمباني القديمة.
وأضاف المهندس إبراهيم الجيدة، الحائز على جائزة الدولة التقديرية هذا العام في مجال الهندسة المعمارية، أن الطراز التقليدي للعمارة القطرية لم يقف عند المباني الحكومية فقط، بل كانت ملاعب كأس العالم رمزا للحفاظ على الهوية القطرية التي تمتد من الجذور إلى الحداثة والتطور والانطلاق نحو المستقبل، مشيرا إلى أن جانبا من الهوية القطرية انعكس على تصميم استاد الثمامة المستمد من “القحفية”، والذي ترجمت فيه الهوية بشكل واضح وبطريقة معاصرة.
وأوضح أن توجه دولة قطر في الحفاظ على هويتها ليس فقط في العمارة فحسب، بل في الشعر والفنون الجميلة، وهو ما ميز أهل قطر في انطلاقتهم نحو المستقبل، وانعكس هذا التوجه على مختلف المجالات، مبينا أن العمارة تعتبر أم الفنون، وفيها تنعكس جوانب من هويتنا وثقافتنا الجلية على العديد من المباني في الدولة.
وأشار المهندس إبراهيم الجيدة إلى أن نهج الكثير من المعماريين، اليوم، هو الاستفادة من التراث، وهناك تأثر واضح به سواء كانوا معماريين محليين أو حتى زائرين ممن أسند إليهم تصاميم بعض المباني.
وأردف قائلا: “إن هويتنا لا تقتصر على الشكل المعماري أو القشرة الخارجية للمباني، بل هي أبعد من ذلك، ولو نظرنا للعناصر التي أخذت من العمارة التقليدية وهي عمارة ما قبل النفط، والمتمثلة بالمباني الطينية والحوش والليوان والسكة، لوجدنا أن هناك عناصر مميزة وملائمة للبيئة، فقد تمكن الأجداد من بناء عمارة ما قبل الكهرباء وعاشوا فيها حياة مناسبة، حيث تم إجراء دراسات على المباني القديمة وكيف استفاد البناؤون القدامى من التعامل مع البيئة آنذاك، حيث تكون درجة الحرارة داخل المنازل بالفرجان القديمة أقل من الخارج، وذلك يعود إلى استخدام عناصر البناء التقليدية”.
وبين أن خير مثال للعمارة القطرية المعاصرة ما نراه في مدينة مشيرب التي تعتبر قمة في الحداثة، ومع ذلك استفادت من جميع العناصر المعمارية التقليدية فيها سواء بالتكوين؛ إذ يلاحظ وجود السكك القديمة مع المحافظة على التصاميم المعمارية القديمة، حتى في النوافذ التي تم تصميمها صغيرة الحجم لكنها تسمح بمرور أكبر قدر من أشعة الشمس والهواء، ما يظهر توظيف التصاميم التقليدية القديمة في العمارة الحديثة والمعاصرة، وترجمة الثقافة القطرية من الماضي إلى الحاضر مع الحفاظ على الأصالة سواء في العمارة أو حتى المسميات وغيرها مما يشكل الهوية القطرية.
واستعرض المهندس إبراهيم الجيدة، وهو كاتب وله 4 مؤلفات في مجال العمارة والتصميم، جهوده كواحد من المصممين القطريين البارزين في الحفاظ على الهوية المعمارية، حيث ترك بصمة تراثية في العديد من المباني ومنها “نادي الدانة للتنس”، و”النادي الدبلوماسي”، الذي يعد من المشاريع المهمة، علاوة على “برج برزان”، وهو برج شاهق الارتفاع في الخليج الغربي، حيث مزجت به العناصر الحديثة والتقليدية، ويعتبر مرحلة انتقالية في التطور ويبرز من خلاله التأثر بالطراز المعماري القطري بإضافة الحداثة إليه.
بالإضافة إلى مشروع “فندق شرق” وهو تجربة مميزة، حيث تمكن المهندس فيه من وضع بصمة للفريج القديم وسط فندق أخذ بمبانيه طريق “الحوش” وانعكاس هوية الفرجان في مبنى يستخدم كفندق يرتاده الزوار من شتى دول العالم، إلى جانب العديد من المباني الأخرى بالدولة والمدن الحديثة والمستدامة، التي وضعت على تصاميمها بصمات بطابع تراثي قطري مميز بشكل مستحدث.