حوار: هشام فاضل/
ثمن الدكتور بلال تركية، القائم بالأعمال، في سفارة سوريا، ورئيس البعثة السورية بالدوحة، على مواقف دولة قطر قيادة، وحكومة وشعباً، بجانب الشعب السوري، وتطلعاته في العيش بكرامة. موضحاً أن ” كعبة المضيوم” كعادتها دائما متمسكة بالمبادئ، وتناصر الحق، وتمد يد العون للمحتاجين. مشيراً إلى أن السوريين دفعوا ثمناً غالياً لأنهم طلبوا الحرية؛ ومازالوا يواجهون آلة بطش نظام ” الأسد”، والذي أستخدم كل أنواع الأسلحة ضدهم، وبما فيها الأسلحة المحرمة دولياً ” الكيماوي”. وأشار إلى أنه لا يوجد في الأفق القريب أي حل سياسي، بسبب تعنت وتعقيدات نظام ” الأسد”. حتى كادت القضية السورية، تكونون قد سقطت من اهتمامات وحسابات العالم في ظل التغيرات التي طرأت على أجندة منطقة الشرق الأوسط، واستمرار الحرب الإسرائيلية الصهيونية على الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة، منذ معركة ” طوفان الأقصى” في السابع من شهر سبتمبر (عام 2023م.). لافتاً إلى أن الجمهورية التركية حاضرة بالمشهد، ومشدداً على أن مشكلة جواز السفر معاناة مستمرة للسوريين. جاء ذلك في حوار خاص لـصحيفة ” الدوحة اليوم” الإلكترونية، وفيما يلي نصه:
* بداية نود أن ننطلق في حوارنا معكم من دوحة العرب لنسألكم عن تقييمكم لدور قطر في الأزمة السورية منذ بدايتها وحتى وقتنا الراهن؟
-مواقف الأشقاء القطريين منذ بداية الأزمة السورية وحتى وقتنا الراهن، كانت داعمة للشعب السوري، على مختلف الأصعدة، السياسية، والإنسانية، والإغاثة. وتربط الدوحة الحل السياسي بتحقيق تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة، والسلام والتنمية والازدهار. وبالتالي فمهما تكلمنا عن الأخوة القطريين، قيادة وشعباً؛ لن نوفيهم حقهم؛ وسوف نكون مقصرين.
وقد كتب التاريخ بأحرف من نور، مواقف دولة قطر بجانب السوريين، منذ بداية الثورة السورية؛ عندما انحازوا لقرار الشعب السوري، وأدانوا كل أشكال القتل والقصف. وقدموا كل الدعم للمعارضة السورية بشتى أنواعها؛ كما استضافت الدوحة أول اجتماع لتشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، عقب اجتماع مراكش واعتراف أكثر من 120 دولة بأن الائتلاف السوري هو الممثل الوحيد للشعب السوري.
*ما هي أوجه الدعم القطري لكم؟
– إن مواقف دولة قطر مشرفة ولا تُعد ولا تُحصى، وهي ذي أياد بيضاء في كل المجالات، إذ أنه لم يقتصر دعم قطر السخي على الصعيد الإنساني، والتنموي، أو حتى مجال التعليم فحسب؛ بل شمل أيضا الدعم السياسي والحقوقي. كما فتحت أبوابها لاستقبال عدد كبير من السوريين. ولا يمكن لأي سوري أن ينسى الخطاب التاريخي لحضرة صاحب السمو الشيخ تيميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد – حفظه الله-، في الأمم المتحدة، وفي جميع المحافل الدولية، حيث كان سموه الزعيم الوحيد في العالم؛ الذي ذكر المأساة السورية في خطابه، وطالب بضرورة محاسبة المجرمين وتقديمهم للعدالة.
إذاً، فلو أردنا أن نحصي مواقف دولة قطر المشرفة، سوف نرى أنها؛ لا تعد ولا تحصى. فلا يمكن أن ننسى مواقف المؤسسات الخيرية القطرية، ومنذ اليوم الأول وإلى اليوم؛ والتي لم تتوقف يوما عن دعم الشعب السوري. ومن ذا الذي يمكن أن ينسى لحظة قصف واجتياح حلب؛ والقرار الإنساني لصاحب السمو أمير البلاد – حفظه الله- بوقف احتفالات قطر باليوم الوطني وتحويل الحملة إلى حملة دعم للشعب السوري، حملت شعار “حلب لبيه”. وهذا ليست الوحيدة؛ بل ومثلها الكثير من الحملات، لدعم سوريا؛ لما استطعنا حصرها، فهناك حملة “حق الشام”، وحملة “عون وسند”، وغيرها من الحملات الكثيرة؛ التي قام فيها الشعب القطري بدعم أشقائهم في سوريا؛ ومازالوا نعم السند حتى هذه اللحظة.
ويكفي احتضان الدوحة للسفارة السورية الحرة، لتكون صوت الشعب السوري في قطر؛ وهي الوحيدة على مستوى العالم، قائمة وكاملة الصلاحيات، وبكل الإمكانيات، والدعم اللامتناهي.
جهود قطر
*وما دلالة هذه المواقف القطرية من وجهة نظركم؟
-هي أكبر دليل على مواقف قطر المشرف تجاه القضية السورية، وتأكيد على التزامها الأخلاقي بالعدالة. لذلك نقول دوماً أن “كعبة المضيوم” وقفت مع الحق وانحازت لتطلعات الشعب السوري في الكرامة والحرية. حيث يرى الأشقاء القطريين أن الشعب السوري تعرض للظلم؛ وخاصة بعد أن استخدم نظام بشار الأسد ضده كافة أنواع الأسلحة والقصف الكيماوي، والبراميل المتفجرة؛ الى جانب التهجير القسري والاعتقال الجماعي والتعذيب و… التي ترتقي الى جرائم حرب، وهذه الجرائم لا يمكن التغاضي عنها. وهذا تم التأكيد عليه من جانب القيادة القطرية، والمسؤولين القطريين، ومعالي رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وفي أكثر من مناسبة. والتأكيد على أنه لا يمكن التغاضي عن الجرائم التي تم ارتكابها. كما أن قطر ظلت ثابتة على المبدأ، وتحفظت على موضوع التطبيع مع نظام الأسد. لأن الأسباب التي أدت إلى قطع العلاقات، ما زالت موجودة وموجودة؛ بل وزادت في ظل عدم التوصل لحل سياسي.
وعليه يمكننا القول: إنه دولة قطر من أهم الدول التي ما تزال داعمة للثورة السورية بصدق حتى الآن؛ وهي لا تدخر جهداً في دعم الشعب السوري بكافة سبل الدعم الممكنة.
* كم عدد الجالية السورية في الدوحة الآن؟
-وفقاً لأخر تقديرات رسمية، فإن عدد الجالية السورية؛ قد تتجاوز حاجز “70” ألف تقريباً، ينعمون بالعيش بين أشقائهم القطريين.
* تعد مشكلة جواز السفر واحدة من هموم الإنسان السوري منذ الثورة. كيف تعاملتم معها ؟
-مشكلة جوازات السفر هي معاناة طويلة الأمد للسوريين. بالأصل فإن جواز السفر من الحقوق الأساسية لأي مواطن، وفقاً للمعايير الدستورية والقانونية، بغض النظر عن مواقفه السياسية أو انتماءاته. فالمواطن السوري، أينما كان، يستحق بشكل قانوني أن يحصل على أوراقه الثبوتية دون عوائق. ومع ذلك، فإن النظام السوري، في سياق حربه ضد الشعب، لم يكتفِ بالانتهاكات المباشرة من القتل أو القصف بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية، أو حتى حصار المدن والتجويع، بل امتد قمعه إلى جوانب حياتية أخرى، ومنها حرمان المواطنين من حقهم في جواز السفر، حيث يستغل لنظام إصدار جوازات السفر كوسيلة ابتزاز، ويفرض شروطاً معقدة للحصول عليه، وقد جعل التكلفة باهظة للغاية، حتى أن الجواز السوري هو الأغلى في العالم، اضافة الى استغلال النظام عائدات الجوازات الكبيرة في الالتفاف على قانون قيصر الذي فرض وقيد تعاملات النظام مع كل دول العالم. وكأن معاناة السوريين في الخارج لا تكفي، فيجد المواطن السوري نفسه مضطراً لدفع مبالغ طائلة أو الخضوع لشروط قاسية لتمديد أو الحصول على جواز سفره، رغم أنه من أبسط حقوقه.
مشكلة معقدة
*لماذا كحكومة معارضة لم تبحثوا عن بديل؟
– قضية جوازات السفر معقدة للغاية لأنها ترتبط بمسألة الاعتراف الدولي بوثائق السفر. في إطار جهودنا الدبلوماسية لحل هذه المشكلة وتخفيف معاناة السوريين وتخليصهم من استبداد النظام، سعينا إلى إيجاد بدائل لإصدار وثائق سفر مستقلة لتكون البديل عن تلك التي يحتكرها نظام “الأسد”. وبالفعل، قمنا بعدة محاولات في هذا الاتجاه، ولكن للأسف، واجهنا العديد من العوائق القانونية الدولية التي حالت دون التوصل إلى توافق دولي حول إصدار وثائق بديلة، ولم يكتب لهذه المحاولات النجاح.
* وكيف كان أثر هذه المحاولات؟
– في الحقيقة، ورغم عدم نجاح تلك المحاولات في تحقيق الهدف النهائي، إلا أنها أسفرت عن ضغط دولي على نظام الأسد، مما دفعه في نهاية المطاف إلى منح جوازات السفر لعدد أكبر من السوريين. حيث كان النظام، قبل هذه الضغوط، يتعمد حرمان المعارضين، بل وحتى شريحة كبيرة من السوريين في الخارج، من حق الحصول على جوازات سفر كجزء من استراتيجيته للضغط السياسي. وأسفرت هذه الجهود في كسر هذا الحصار جزئيا على الشعب السوري فيما يتعلق بوثائق السفر.
* ماذا عن الأوضاع الراهنة في المناطق المحررة داخل سوريا؟
– رغم الصعوبات الهائلة والخذلان الذي تعرض له الشعب السوري، استطاع السوريون تحرير أجزاء من الأراضي السورية من سيطرة نظام الأسد، وحققوا تقدماً ملموساً في مجالات عدة داخل المناطق المحررة. وقد تمكن الشعب السوري في هذه المناطق من تطوير بنية خدماتية وحوكمية، وشهدنا نشوء نقابات مهنية مستقلة وافتتاح عدد من الجامعات. كما أن مؤسسات الحكومة المؤقتة تعمل فيها بشكل فاعل، سواء في مجالات التعليم أو الصحة أو الخدمات العامة. ونلاحظ أن مستوى الرعاية الصحية والتعليمية يتفوق بشكل ملحوظ على نظيريه في مناطق سيطرة النظام
لكن، علينا الإقرار بأن الوضع لا يزال بعيداً عن المثالية، خصوصاً مع استمرار الهشاشة الأمنية والتحديات التي تواجه المنطقة. حيث إن الواقع اليومي شديد الصعوبة والتعقيد، بسبب الاستهداف المستمر من قبل النظام وحلفائه. حيث يكاد لا يمر يوم دون قصف أو هجمات بالطائرات المسيرة. إضافة إلى ذلك، ومع ازدياد أعداد السكان وندرة الموارد، تتزايد الاحتياجات الإنسانية بشكل كبير، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية سواء للقاطنين أو النازحين، إلى جانب التقلص المستمر في المساعدات الأممية والدولية. لذلك فإن إدارة هذه المناطق المحررة يتطلب دعماً أكبر من الدول الشقيقة والصديقة، سواء من حيث المساعدات الإنسانية أو التقنية، لتمكين هذه المناطق من الصمود والاستمرار في تقديم الخدمات الضرورية للسكان. ولا يزال أمامنا الكثير من العمل الواجب القيام به.
التدخلات الخارجية
* هل نفهم من ذلك أن حكومة المعارضة تفرض سيطرتها على المناطق المحررة في سوريا؟
-هذه حقيقة، فلا توجد أي سيطرة لنظام الأسد على المناطق المحررة، بلإنه يعاني حتى في المناطق التي يُفترض أنها تحت سيطرته، حيث ينتفض السكان ضده في كل مكان. على سبيل المثال لا يسيطر الأسد على محافظة السويداء، والتي تشهد احتجاجات مستمرة منذ أكثر من عام. وكذلك الأمر في محافظة درعا، حيث لا يستطيع النظام بسط سيطرته على مراكز المدن الكبرى أو الإبقاء على تواجد مستمر في تلك المحافظات رغم ادعائه أنه استعاد السيطرة عليها منذ أكثر من ستة سنوات.
* ما هي فرص الحل السياسي في أزمة سوريا؟
– بالتأكيد، فنحن دائماً متمسكون بالأمل، ولكن علينا أن نكون واقعيين بأن الحل السياسي ليس سهلاً في ظل الظروف المعقدة التي تعيشها سوريا.
*لماذا؟
– يرجع السبب في ذلك، إلى طبيعة الملف السوري المعقد والشائك بشكل كبير، نظراً للتدخلات الإقليمية والدولية فيه، ووجود قوى مختلفة لها مصالح متضادة. لذلك أصبح الحل يتطلب التوافق بين هذه القوى أولاً. وللأسف الشديد، فإن حل الأزمة السورية، ليس بيد السوريين وحدهم، حيث أصبح بشار الأسد مرتهناً بشكل كامل للمليشيا الأجنبية التي دعمته، وبات فاقداً للقرار والسلطة.
*ماذا عن القرارات الأممية، وبيان جنيف؟
نعم. هنالك قرارات دولية واضحة مثل قرار مجلس الأمن رقم 2254 وبيان جنيف، واللذين يضعان إطاراً لخارطة طريق سياسية. ولكن ما جدوى كل ذلك، إذا كان نظام الأسد وداعميه يستمرون في التعنت ويعملون على عرقلة أي تقدم حقيقي. ولا يزال النظام يؤمن فقط بالحل العسكري، ويتمثل في نظره عبر استعادة السيطرة الكاملة على الأراضي السورية باستخدام القوة والعنف، وهو أمر غير مقبول للسوريين وللمجتمع الدولي على حد سواء.
*هل هناك من مسار آخر؟
– نحن متمسكون بمسار الحل السياسي، ولا سيما في ظل هذه الظروف الدولية والإقليمية الراهنة؛ ونسعى لتهيئة الظروف الدولية لذلك. خاصة وأن القضية الفلسطينية لفتت كل الأنظار، وبالتالي تراجع الاهتمام بمشكلة سوريا؛ والتي للأسف، استغل نظام “الأسد” فرصة انشغال العالم، وزاد من قصفه اليومي الدموي في المناطق المحررة.
الدور التركي
*ماذا عن الدور التركي في أزمة سوريا؟
– الجمهورية التركية، حاضرة بالمشهد، تحاول أن تدفع بشكل حقيقي في اتجاه الحل السياسي؛ ولاسيما أنها تشارك سوريا حدوداً طويلة، ويرتبط الاستقرار في سوريا بشكل وثيق بأمنها القومي، وخصوصاً بسبب وجود ميليشيات ارهابية في بعض مناطق شمال شرق سوريا.
* أخيراً ما هو موقفكم من حركة التطبيع التي جرت مع نظام ” الأسد”؟
هناك تقارب حثيث بين بعض الدول العربية وبشار الأسد. هل هذا التقارب يؤثر عليكم؟
إننا نأمل في أن يكون للدول العربية دور إيجابي في دفع الحل السياسي في سوريا إلى الأمام، وفي نفس الوقت، لا نعتقد أن ذلك سيكون من خلال تطبيع العلاقات مع بشار الأسد، خاصة إذا لم يكن مقترناً بخطوات عملية نحو تحقيق تقدم يخدم مصالح الشعب السوري.
ومن وجهة نظرنا، فإننا واثقون بأن نظام الأسد لم يظهر اهتماماً حقيقياً بعلاقته بالدول العربية في أي مرحلة. وفي الواقع فإن التطبيع العربي مع النظام في حالة جمود. تم طرح مبدأ “خطوة مقابل خطوة” عدة مرات، لكن حتى الآن لم يقدم النظام أي تنازلات ملموسة. كما أن العديد من الدول العربية وضعت شروطاً محددة لم يستطع النظام تلبيتها. وبالنتيجة فإن اللجنة الوزارية العربية، التي تشكلت قبل أشهر تحت مظلة الجامعة العربية، لم تعقد اجتماعاتها مجدداً، مما يشير إلى عدم وجود أي تقدم حقيقي في مسار التطبيع.
لذلك فإننا نعتقد أن أي تطبيع غير مشروط أو غير مصحوب بخطوات ملموسة، فإنه لن يخدم مصلحة الشعب السوري ولن يحقق مكاسب للدول العربية. أولاً، لأن هذا النظام غير مقبول من الشعب السوري، الذي عانى من قمعه وقتل أكثر من مليون مواطن، ولا يمكن أن يقبل الشعب باستمراره مهما كلف ذلك. وطال الزمن أم قصر، فسوف يطوي السوريين صفحة هذا النظام ” الأسدي” الدموي؛ وثانياً، لأن استمرار هذا النظام يُضر بمصالح المنطقة، حيث بات مرتبطاً بشكل وثيق بتهريب المخدرات ودعم الميليشيات التي تتحكم بمصيره، حتى بات بوابة التدخلات الخارجية في الأمن الإقليمي العربي.