الدوحة: اليوم
صدر عن دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع ببيروت، ودار أوبيوس للطباعة والنشر والتوزيع بمونتريال كندا، كتاب الجزيرة العربية والعراق في استراتيجية محمد علي؛ من تأليف الدكتور علي عفيفي علي غازي مدير تحرير مجلة رواق التاريخ والتراث.
ويتناول كتاب “الجزيرة العربية والعراق في استراتيجية محمد علي “، الذي يقع في 352 صفحة؛ ومن خلال منهج البحث التاريخي التحليلي المقارن، الجزيرة العربية والخليج العربي والعراق في فكر واستراتيجية محمد علي، ويوضح الموقف الدولي والمحلي، والموقف الشعبي العراقي من الصراع المصري العثماني؛ إذ لعب هذا الصرع دورًا بالغ الأثر في تاريخ المنطقة العربية، ومنطقة الشرق الأدنى، فقد مثل توسع محمد علي في شبه الجزيرة العربية والشام مرحلة مهمة ذات مغزى في تاريخ مصر كان لها تأثيرها القوي على العراق، فقد كان العراق مسرحًا واسعًا للصراع الدبلوماسي بين محمد علي والسلطان، حيث حاول الطرفين المتصارعين اللعب بالعراق كورقة يُساوم بها الطرف الأخر، فالسلطان العثماني سعى إلى بث الدعاية المؤيدة له في البلدان التي خضعت لواليه الخارج عن طاعته عبر علماء العراق في محاولة لتأليب الرأي العام في المشرق العربي عليه، وسعى محمد علي لتأليب العراق ضد السلطات العثمانية ببث الدعاية وإرسال الرسائل إلى المدن العراقية الكبرى، وإلى كبريات عشائر العراق، تدعوهم إلى أن يأخذوا جانب القضية المصرية، وليثوروا على الوالي العثماني، في الوقت الذي كان الشعب العراقي لديه الميل لتقبل الحكم المصري، خاصة أن الانتصارات المصرية الكبيرة في الشام، بلا شك، قد أعطت لهذه الرسائل قيمة كبرى.
ويرز كتاب” الجزيرة العربية والعراق في استراتيجية محمد علي ” الموقف الشعبي المحلي في العراق حاسمًا بين الطرفين، حيث خشيَّ الباب العالي من أن تؤدي الدعاية المصرية إلى فقدانه العراق، وانضمامه لمحمد علي فيزداد به قوة، خاصة في ظل تذمر أهله من عودة الحكم العثماني المباشر، الذي عاد على أسنة الرماح وببحور من الدماء بعدما أقدم علي رضا باشا على تدبير مذبحة المماليك في بغداد سنة 1831م، ولم تكن خطة القضاء على المماليك في بغداد من بنات أفكار علي رضا، وإنما كانت خطة رسمية أمرته بتنفيذها المراجع المختصة في الباب العالي، لأن الدولة العثمانية كانت قد ضاقت ذرعًا بهم، وأرادت أن تضع حدًا لاستقلالهم عنها. بينما كان محمد علي يعمل على أن يأخذ العراق ورقة يساوم بها السلطان العثماني، إذ إن العراق كان في متناول محمد علي، ولم يحل دون إتمامه لهذا المشروع إلا الموقف الدولي، وخاصة موقف بريطانيا المعارض لتوسعاته في الخليج، وفي الشام والأناضول، لأنها خشيت على مصالحها في المنطقة التي كانت تُعد همزة الوصل إلى مستعمراتها في الهند والشرق الأقصى، وكانت تري في الخليج- العراق طريقًا لمواصلاتها بديلاً عن طريق البحر الأحمر -مصر الذي أصبح بحيرة مصرية خالصة، خاصة بعد سيطرة محمد علي على السودان واليمن، ومن ثم سعت بكل طاقاتها لإبعاد محمد علي عن العراق حتى لا يُسيطر على طريقي مواصلاتها إلى الهند، ومن ثم تُصبح تحت رحمته، ولهذا أرسلت بعثة تشيزني لدراسة مدى صلاحية نهري دجلة والفرات للملاحة البخارية، وأرسلت سفنًا مسلحة تحت ستار نقل البريد، لكنها في حقيقة الأمر كانت تهدف لتأمين العراق ضد توسع محمد علي.
وتوضح الدراسة الموقف الشعبي العراقي من الصراع المصري العثماني، ودور الإدارة العثمانية في العراق للدعاية للسلطان في مواجهة الإشاعات التي كانت تتردد عن محمد علي، والثورات التي قامت في العراق 1830 و1832 ومراسلتها للقيادة المصرية في الشام لمساندتها والوقوف بجانبها، ومطالبتها سر عسكر القوات المصرية إبراهيم باشا، نجل محمد علي باشا، بالتقدم نحو العراق، ولماذا لم يقدم والي مصر على تلك الخطوة؟ رغم أن ذلك كان في متناول يده. وموقف العشائر الكردية والعربية في العراق من الصراع المصري العثماني، والعشائر التي وقفت مؤيدة لمحمد علي، والعشائر التي وقفت بجانب السلطان العثماني، ولماذا لم يستجب محمد علي لنداءات كثير من تلك العشائر؟ التي دعته للتقدم إلى العراق، فقد كان الميل لدى أهل العراق عامة إلى حكم محمد علي، ونفورهم من الحكم العثماني.
قسم المؤلف اكتاب ” الجزيرة العربية والعراق في استراتيجية محمد علي ” إلى تسعة فصول، ومقدمة وخاتمة، ومجموعة من الملاحق. يتناول الفصل الأول، المعنون “المشرق العربي في استراتيجية محمد علي”، وصول محمد علي إلى حكم مصر ، ثم يتطرق لتوضيح الجزيرة العربية والشام والعراق في فكر واستراتيجية محمد علي. أما الفصل الثاني الموسوم “الشام مفتاح الجزيرة العربية والعراق”، فيبدأ بطرح بداية تفكير محمد علي في ضمّ الشام، وذرائع محمد علي للهجوم على الشام، وتطورات التوسع المصري في الشام، وصدى انتصارات محمد علي في الجزيرة العربية. ويتطرق الفصل الثالث “مماليك العراق والتوسع المصري في الجزيرة العربية”، لتناول العراق في ظل حكومة المماليك، ودور مماليك بغداد في انسحاب إبراهيم باشا من الإحساء ونجد، وتركي بن عبد الله وإعادة تكوين الدولة السعودية، واتصالات تركي بن عبد الله بوالي بغداد وموقف محمد علي، واتصالات فيصل بن تركي بوالي بغداد وموقف محمد علي. ويستكمل الفصل الرابع “مماليك العراق والتوسع المصري في الشام”، موقف مماليك بغداد من التوسع المصري، والقضاء على المماليك في العراق.
يخصص المؤلف الفصل الخامس لتوضيح “الموقف الشعبي العراقي من الصراع المصري العثماني”، فيتناول أحداث ثورة بغداد 1830، وثورة عبد الغني الجميل زادة 1832 ، ودور أبي الثناء الألوسي في مقاومة التوسع المصري ، وموقف الإدارة العثمانية في العراق من التوسع المصري، والعراق خط دفاع أمام توسعات محمد علي، والتنظيم المصري لبلاد الشام وأثره على العراق. ويواصل الفصل السادس بعنوان “الموقف العراقي من تجدد الصراع المصري العثماني”، تناول العراق خط هجوم ضد توسعات محمد علي، والاستعانة بالقوات العثمانية في العراق ضد التوسع المصري، وانتفاضة الموصل المؤيدة للتوسع المصري، ودور محمد إينجة بيرقدار في مقاومة الوجود المصري في الشام. أما الفصل السابع “موقف العشائر العراقية من الصراع المصري العثماني”، فمقسم ليوضح موقف العشائر الكردية، عشائر شمر الجربا، عشائر عنزة، عشائر طي، عشائر المنتفق، عشائر بني لام، عشائر كعب، عشائر بني خالد في الإحساء. أما الفصل الثامن “معركة نصيبين وأثرها على العراق”، فيتناول أثر معركة نصيبين 1839 على موقف عشائر العراق ، وأثرها على تطورات الموقف في جنوب العراق، وموقف سلطات البصرة المضاد لمحمد علي، والتدخل الدولي بعد معركة نصيبين وتسوية لندن 1840، ومحاولة التحالف بين محمد علي وشاه فارس. ويختتم الكتاب بالفصل التاسع “انحسار التوسع المصري”، فيتناول نتائج انحسار التوسع المصري على التركيبة العشائرية العراقية، ويجيب على تساؤل هل فكر محمد علي في ضم العراق؟ ولماذا؟ ، ويطرح سؤال هل فكر محمد علي في ترك حكم مصر ليحكم العراق؟
تأتي الخاتمة، لتؤكد على أن الجزيرة العربية والعراق كان لها دورًا مهمًا في استراتيجية محمد علي خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن التاسع عشر، حيث سعى لتأسيس إمبراطورية ترتكز على مصر، وتمتد في جناحيها إلى الجزيرة العربية والسودان جنوبًا، والشام والعراق شمالًا. وأثبتت الدراسة أن نشاط الدولة العثمانية في تطبيق الحكم المباشر في مختلف أجزاء العراق في أعقاب انحسار التوسع المصري، وعودة محمد علي إلى حدود مصر الطبيعية، ومن ثم كان عزل علي رضا باشا من ولاية بغداد، وإسنادها إلى نجيب باشا (1842ـ1847م)، الذي كان من أنشط الولاة، الذين عملوا على تطبيق الحكم المباشر، فكان هو المسئول عن اغتيال صفوق الفارس شيخ عشائر شمر الجربا، وهو أقوى قوة عشائرية عربية وقفت ضد السلطان في صراعه مع محمد علي، وعن مصرع سليمان الغنام شيخ عشائر العقيل، التي استماتت في سبيل كف يد الحكومة عن ضاحية الكرخ، التي كانت تلك العشائر تنزل فيها، وكذلك نجيب باشا هو المسئول عن النكبة التي نزلت بأبي الثناء الألوسي نتيجة لموقفه من ثورة عبد الغني الجميل زادة التي شبت في بغداد 1832 متأثرة بالدعاية المصرية .
أوضحت الدراسة أن العراق بحكم تركيبته العشائرية المعقدة وطوائفه الدينية والعرقية المختلفة، وموقعه على حدود الدولة العثمانية مع الدولة الفارسية، ووجود الأماكن المقدسة الشيعية، قد تمتع بوضع خاص في الدولة العثمانية، وحرص شديد على استمرار تبعيته لها، بالإضافة إلى رغبتها عندما تطورت العمليات الحربية بينها وبين واليها العاصي إلى جعل العراق خط هجومي ضده في الشام والجزيرة العربية على حد سواء، الأمر الذي يؤكد أن الصراع بين محمد علي والسلطان في القرن التاسع عشر بلا شك قد لعب دورًا كبيرًا في تغير مجرى التاريخ العراقي، وكان موقف الأهالي والعشائر العربية والكردية المؤيد لمحمد علي من العوامل التي أعطت للعراق أهمية ووضع خاص في الصراع بين محمد علي والسلطان العثماني، فقد شبت الثورات في العراق 1830و1832م وراسلت القيادة المصرية في الشام لمساندتها والوقوف بجانبها، وطالبت سر عسكر القوات المصرية إبراهيم باشا بالتقدم نحو العراق، ولكن محمد علي لم يُقدم على تلك الخطوة، ولم يستجب لنداءات كثير من تلك العشائر التي دعته للتقدم إلى العراق، رغم أن ذلك كان في متناول يده.
كشفت الدراسة النقاب عن الدور الخطر والمتنامي للعشائر العراقية والطوائف الدينية كمركز من مراكز القوى في تشكيل وصياغة السياسة العراقية بالداخل والخارج، وثقلها في التأثير على صانعي القرار في العراق. وأشارت الدراسة الدراسة أن النزاع الطائفي والعرقي في العراق يعود بجذوره إلى الفترة العثمانية، حيث دائمًا ما كانت تستغل الحكومة العثمانية الصراع بين القبائل في صالحها، فتزيده تأججا بأن ترمي العشائر الكردية بالعشائر العربية والعكس، ومثَّل هذا الصراع سمة من سمات التاريخ العثماني في العراق، وكانت فترة الصراع المصري العثماني الفترة التي تجلت فيها تلك السياسة واضحة بسبب استخدام الباب العالي العشائر الموالية له لضرب العشائر المؤيدة لمحمد علي باشا والي مصر. والحقيقة أن الصراع المصري العثماني قد أثر في التاريخ الحديث للجزيرة العربية والعراق من شتى جوانبه السياسية والاستراتيجية والدبلوماسية والاجتماعية والاقتصادية.