لست بصدد الكتابة، عن فيلم «حياة الماعز»، الذي استحوذ على مساحة واسعة، من الهرج والمرج، لأنه يحمل في ظاهره، دفاعاً مزيفاً عن «حقوق الإنسان»، استناداً إلى حالة فردية، فوضوية، شيطانية، إجرامية، استبدادية، استعلائية، عنصرية، لا تخلو معظم المجتمعات، التي تدعي أنها «ديمقراطية»، من أشكالها وإشكالياتها.
ولن أخوض مع الخائضين، في سلوك هذه الشخصية المريضة، بداء العداء للآخرين، التي تدور أفعالها غير القانونية، في حلقة مفزعة من العنف، والقسوة، والسادية، وإثارة الكراهية، ضد الإنسان الآخر، والاستخفاف بحياته وحقوقه، وحريته، وكرامته.
ولكن ، مع حلول الذكرى السنوية الأولى، للحرب الوحشية، التي تشنها الحكومة اليمينية الصهيونية، على الشعب الفلسطيني، أكتب عن «الحالة الماعزية»، التي تحاول إسرائيل، أن تفرضها على الفلسطينيين، وتمارس خلالها، كل أنواع الجرائم ضد الإنسانية.
أكتب عن حرب الإبادة الجماعية، والاعتداءات الهمجية، والانتهاكات الحقوقية، والممارسات العنصرية، والسياسات القمعية، التي تطبقها إسرائيل على الفلسطينيين، في قطاع غزة، والمداهمات العسكرية، التي تستهدف الإنسان الفلسطيني، في مخيمات وبلدات الضفة الغربية المحتلة.
أكتب عن معنى أن تكون إنساناً فلسطينياً، تعيش محاصراً، ومستهدفاً في وطن محتل، في إطار وضع مختل، تحاول إسرائيل أن تفرض عليك «حياة الماعز»، لتعيش على هامش الدنيا، بلا حقوق ، وبلا سيادة، وبلا حرية، وبلا دولة وبلا استقلال، وسط «ظروف ماعزية» صعبة، ينظر لك الغرب في إطارها، أنك «إرهابي»، لمجرد أنك تقاوم الاحتلال، وتسعى لتغيير الاختلال، وتمارس حقك المشروع في النضال.
أكتب عن العدوان الوحشي، الهمجي البربري الصهيوني، على أهلنا في غزة، الذي دخل عامه الثاني، وما زالت إسرائيل، ترتكب خلالها جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وتستخدم في سبيل ذلك كل أذرعها العسكرية، وكل وسائلها الإجرامية، وكل أدواتها الشيطانية، والاستيطانية، والدموية، والاستخباراتية، والتهويدية، والتهديدية، بشكل يتنافى مع القيم الإنسانية، والمواثيق الدولية، والقواعد الحقوقية، والمبادئ القانونية.
أكتب عن الغارات الصهيونية المتواصلة، والاعتداءات الإسرائيلية المتصلة، على مختلف المناطق والبلدات والقرى و«الضيعات» اللبنانية، وتأثيرها الكارثي على الشعب اللبناني، دون احترام سيادة «بلد الأرز»، ودون التزام إسرائيل، بسلامة شعبه، وشعابه، وتشعباته الشعبية.
أكتب عن «الهدهد»، الذي قامت إسرائيل باصطياده، بعد اختراق الدائرة المغلقة، المحيطة به، عبر العملاء، الذين يعملون لصالح «الموساد»، وهذه حقيقة، لا تحتاج إلى إسناد، لأنها مسنودة، بالوقائع التي يعرفها الأشهاد، وخصوصاً، أن الاختراقات الاستخباراتية الإسرائيلية، أصبحت وتيرتها في لبنان، أكثر، وأكبر، وأخطر من المعتاد!
أكتب عن مأساة اللبنانيين، الذين يتألمون من بشاعة العمليات العدوانية الصهيونية المسعورة، وكارثة الفلسطينيين، الذين يحترقون بنيران الحرب المستعرة.
أكتب عن المنطقة، التي تتأرجح في هذه اللحظة الحرجة، على حد السكين، حيث لا تهدأ فيها الأوضاع، ولا تستكين!
أكتب عن «العدوان الوحشي، الصهيوني، الذي ينتقل من ساحة عربية إلى أخرى، ومن مدينة فلسطينية، إلى بلدة لبنانية، محاولاً توسيع دائرة الحرب، وإشعال الحرائق في المنطقة، والتعامل مع حواضرها، وكأنها «حظائر»، لا تختلف حياة الساكنين فيها، المسكونين بحبها، عن «حياة الماعز»!
أكتب عن أحداث «المقصب الآلي» الإسرائيلي الذي يستهدف الإنسان الفلسطيني واللبناني،، بدعم وتشجيع، وإسناد، وتغطية، وتدمير، وتدبير، وتمرير، وتبرير من «الكفيل الأمريكي»!
وبالنسبة لذلك «الوكيل»، المتخصص في صناعة «الويلات»، لشعوب المنطقة، وأقصد تحديداً الولايات المتحدة، فإن كل ما تفعله إسرائيل، ضد الشعب الفلسطيني مباح، في إطار ما تسميه واشنطن «الدفاع عن النفس»!
وكل عدوان لها متاح، ويحظى بالقبول والسماح والتعبير الدبلوماسي بالارتياح، سواء كان الهدف مقاتلا مقاوما، أو المستهدف مواطنا مسالما!
وهكذا، فإن كل جرائم إسرائيل البشعة، ضد المدنيين الفلسطينيين، والأبرياء اللبنانيين، تدخل في إطار «الدفاع عن النفس» وفقاً للمنطوق الأمريكي الغربي الرسمي، الذي يفتقد إلى المنطق.
ويبقى «الزلمة» الفلسطيني، هو الإنسان الوحيد في الدنيا، الذي ليس له الحق، في الدفاع عن نفسه، وعن حريته وكرامته، وفقاً لوجهة النظر الغربية، الغريبة المنحازة لإسرائيل.
مع إنكار حق الفلسطينيين، في الدفاع عن أنفسهم، وعن أرضهم المحتلة، وعن حقوقهم المغتصبة، وعن حريتهم المسلوبة، وعن سيادتهم المنزوعة، وعن كرامتهم المنتهكة، وعن قطاعهم المستهدف، وعن مخيماتهم المضروبة، وبلداتهم المدمرة، و«بياراتهم» المخربة، وعن طموحاتهم المرفوضة، بإقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس.
ومع استمرار الحرب الإسرائيلية الوحشية، يبحث الأهالي في قطاع غزة، عن أي طعام يسدون به رمقهم، فلا يجدون شيئاً يأكلونه، سوى الشعير المخصص لعلف الحيوانات، والعشب الذي لا تأكله سوى المواشي!
هناك في غزة، تتواصل أزمة الجوع الكارثي، وتتضاعف موجات الوجع النفسي، والألم الجسدي، بين الأهالي، الذين يضطرون إلى تناول طعام لا يصلح للاستخدام الآدمي!
هناك يعيش أهل غزة، وأصحابها، وسكانها، المسكونون بحبها، بين أنياب الفقر، ومخالب القهر، ويواجهون نقصاً كارثياً في الغذاء، والدواء، ورشفة الماء، فلا يجدون، وكأنهم في بيداء، تبيد ساكنها، لا مسار فيها إلا نحو الموت ولا طريق فيها إلا نحو الهلاك، ولا اتجاه فيها إلا نحو السراب!
وفي سياق ذلك «السراب السياسي»، تتعامل إسرائيل مع مبدأ «حل الدولتين»، الذي يحظى بإجماع دولي، وكأنه نوع من الوهم البصري، الذي لا وجود له، وراء الأفق الفلسطيني!
ولهذا نجد حكومة التطرف الصهيوني، تتحسس منه، ولا تتحمس له، وتحاول من خلال انتهاكاتها، وجرائمها واعتداءاتها، وأفعالها العدوانية، إظهار أنها غير معنية به، وأنها غير مكترثة بتطبيقه!
وما من شك، في أن رئيس حكومة التطرف الصهيوني، عندما يواصل عدوانه على قطاع غزة، ولا يلتزم بتنفيذ قرارات القانون الدولي..
وعندما ينتهك بغاراته الوحشية، المتواصلة على الشعبين الفلسطيني واللبناني، مواد القانون الدولي..
وعندما لا يعترف بقواعد الحرب، التي ينص عليها القانوني الإنساني الدولي، وفي مقدمتها عدم استهداف المدنيين، وعدم الإضرار بالآمنين، وعدم محاصرتهم وتجويعهم، وتقييد فرصهم في الحصول على المواد الحياتية، والمواد الغذائية، والإعاشية والدوائية الأساسية، فهذا يعني أن نتنياهو يتصرف، وكأن الأمم المتحدة مجرد «حظيرة»!
وها هو يتعامل مع «مجلس الأمن» وكأنه «حضيرة»!
والشرعية الدولية، يعتبرها مجرد «حصيرة»، يستطيع أن يدوس عليها، وعلى قراراتها، ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وآخرها، قرار «الجمعية العامة»، الذي يطالب إسرائيل بإنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي المحتلة، الصادر بموافقة 124 دولة، يمثلون أكثر من ثلثي الدول الأعضاء، في المنظمة الأممية.
ولا أنسى، القرار الأممي رقم «2735»، الذي يطالب بالوقف الفوري التام والكامل، لإطلاق النار في قطاع غزة،
مع إطلاق سراح الأسرى، وعودة المدنيين إلى ديارهم، فضلاً عن التوزيع الآمن والفعال للمساعدات الإنسانية على نطاق واسع، في جميع أنحاء القطاع، وفقاً للصفقة المقترحة، التي أعلنها الرئيس بايدن في (31 مايو) الماضي.
ورغم المقترحات الإيجابية في «الصفقة»، ما زالت إسرائيل تواصل «الصفاقة»، وها هو العدوان الصهيوني، ينتقل من جبهة إلى أخرى، ومن جهة إلى غيرها، ليبقى القطاع مشتعلاً، والحريق متأججاً، والوضع ملتهباً، والظلم مستعراً، والضيم مسعوراً ضد الفلسطينيين.
وفي سياق هذه الأوضاع العدوانية، والأحوال العنصرية، المدانة قانونياً وحقوقياً وإنسانياً، تتعامل حكومة الاحتلال، مع الفلسطينيين، بمنتهى الاختلال، ليس بصفتهم كائنات إنسانية، لهم حقوق وطنية أصلية، واجبة النفاذ، واستحقاقات قانونية متأصلة واجبة التنفيذ، ولكنها تتعامل معهم وكأنهم «حيوانات بشرية»، وتسعى أن تفرض عليهم «الحالة الماعزية» بالقوة العسكرية!
ولا يحتاج هذا الأمر الثابت، إلى إثبات، لأنه مثبوت في تصريحات علنية عنصرية، أطلقها وزير العدوان الصهيوني «غالانت»، وكررها أكثر من مرة قائلاً:
«لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة، لن يكون هناك كهرباء ولا ماء ولا طعام، نحن نقاتل الحيوانات البشرية، ونتصرف وفقاً لذلك»!
ووسط هذا «الواقع الماعزي» الماثل، والظرف السياسي المائل، في قطاع غزة، تبقى جهود وقف الحرب، التي دخلت عامها الثاني بلا طائل.
ويبقى الفلسطيني، يعاني في قطاعه المحتل، من دمار هائل، وإجرام غائر، وتجويع قاتل!
ويبقى مصير «المحتجزين» في كلا الطرفين معلقاً عند مواقف أشد المتطرفين، وهم عتاة المجرمين، في حكومة الائتلاف الصهيوني، وأقصد أحمقهم الأحمق «بن غفير»، والأخرق «سموتيرتش»..
وثالثهم الأخفق «نتنياهو»، الذي يسعى بشتى الوسائل الخبيثة، والمخططات الخسيسة، لإعادة احتلال قطاع غزة، وابتلاع الضفة الغربية المحتلة، وفرض «الحياة الماعزية» على المنطقة، بقيادة «الراعي» الإسرائيلي، ودعم «الكفيل» الأمريكي!
وكل هذا، يدخل في صميم مخططات نتنياهو الشيطانية، الساعي لتغيير العقيدة السياسية للمواطن العربي، المرتكزة على مبدأ «أن فلسطين هي قضيتنا المركزية وأن تحريرها واجب قومي».
لكن تغيير هذا الأمر الأخطر يشكل هدفاً استراتيجياً صهيونياً، في سياق المخطط الأكبر، لتغيير الواقع الحالي في الشرق الأوسط، وإعادة تشكيل المنطقة، ليصبح الإنسان العربي «مطبعاً» ومطيعاً ومطواعاً، وتابعاً للسياسات الصهيونية، على حساب تصفية القضية الفلسطينية، وتفكيك ثوابتها، ومواصلة انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، المهمش سياسياً، والمهشم حقوقياً، وإجباره على أن يعيش في وطنه المحتل «حياة الماعز»!
بالإضافة إلى إخضاع العالم العربي، ليصبح تحت الهيمنة الإسرائيلية.
ومن يدري، ربما بعد نهاية هذه الحرب الوحشية، تطالب إسرائيل، بالانضمام إلى جامعة الدول العربية!
ونقل مقر «الجامعة» إلى تل أبيب!
وتعيين المتطرف “بن غفير”، أو المتعجرف “سموتيرتش”، أميناً عاماً للجماعة.. عفوا أقصد “الجامعة” .
كاتب وصحفي قطري